السرنديب، قدرك السعيد..!!

بقلم أنوار عبدالله أبو خالد

كنت درست في الصغر ان الاديب البارودي او غيره قد نفي الى سرنديب وان تجار العرب اطلقوا هذا الاسم على جزيرة سيريلانكا، حتى تسنى لي دراسة هذا المصطلح العلمي والقراءة فيه ومعرفة مفهومه.. فالسرنديب مصطلح علمي اتفق بعض علماء النفس والسلوك والطاقة على اطلاقه على (سلسلة الاحداث والوقائع) التي تقودنا بقدرة الله الى الهدف المنشود او المصلحة الراجحة او النجاح السريع.



ودائما بالمثال يتضح المقال، ولنفرض انك اكتشفت انك تصادق لفيفا من الاصدقاء فرضتهم عليك فرص الاجتماع معهم دون غيرهم، ربما في مكان السكن او في صفوف الدراسة او في غرف الوظيفة او ميادين العمل، وعندما حانت التفاتة تفكيرية عميقة منك وبدأت تقلب في ثنايا هذه الصداقة وتفلسف حقيقتها وتقارن مدى التكافؤ وتزن مصالحها مع مفاسدها بعيدا عن وهم الخوف من فقدان (الموجود الرديء) خوفا من انعدام (البديل الجيد)!!

وبعد مرور ساعة من التفكر والتدبر والتأمل، خرجت بنتيجة ادهشتك ملخصها (ان هذه الرفقة والصداقة لا تناسب فكري ولا تنضج عقلي ولا تذكرني بربي ولا تصنع مني بشرا صالحا لعمارة الارض او انارة الوعي) ثم بانتهاء هذه النتيجة تلاها قرار نابع من القلب كعزيمة معقودة، وخارج من العقل كخطة عمل مرسومة، ثم توج هذا القرار بالثقة بالله، والدعاء بان يلهمك الله رشدك ويقيك شر الهوى والشيطان، هنا تتحرك السرنديب وحدة تلو الاخرى بقوة الله وقدره وقضائه، لان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ومن عزم على الرشد كان حقا على الله عونه.

وبما ان السرنديب هي سلسلة من الاحداث المتنوعة من الخير والشر، تقودك وتسوقك قصرا الى مقصدك ونيتك التي عزمت عليها، فلذلك ربما تفاجأت انك خرجت من بيتك وانت في مزاج حسن ولبس جميل ورائحة طيبة لتسمر وتتحدث وتضحك مع هولاء الاصدقاء، ثم تتفاجأ بأن هناك عوائق تعوق طريقك، او ربما انفجار خلاف ساذج بينك وبينهم، او سباب بدأ ضحكا ثم انتهى قطيعة، او ربما هكذا دونما سبب كرهت منظرهم والجلوس معهم او محادثتهم، ثم بدأت رويدا رويدا بالانسحاب منهم والتعذر بمئات الاعذار لتتخلص من ربقة صداقة خنقتك برباطها دون ان تعلم، حتى سبقك اقرانك بالشهادات والعلم والرتب والمناصب والقرب من الله سبحانه والالتفاف على العائلة بالرعاية والحنان والتربية، اقول ربما..!!

ان كان السرنديب فيما مضى خفيا وصعب الفهم، تبعا لصعوبة فهم الانسان ونفسيته وانفعالاته، فسأضرب مثلا اوضح لسرنديب اوضح، فماذا لو كنت في صالة وسيعة الارجاء كثيرة الاثاث والممرات حتى كانت اشبه بالمتاهات، وليس لها الا باب واحد فقط يقودك الى الخارج، ثم سبحت الغرفة في ظلام دامس، وانت تقف في وسط هذه الاكوام والعوائق، ردة الفعل الطبيعية والمنطقية انك ستعزم على الخروج من هذه الصالة المظلمة فورا، وستبدأ تطبيق قرار الخروج بعد لحظات من تفهم الوضع الآني وادارته في عقلك واقتناعك باهمية الخروج بهدوء وتحسس وتأمل وتفهم لكل عائق امامك حتى تخرج من الباب الوحيد في هذه الصالة، هذا ماستفعله، ولكن الاشياء التي لن تفعلها انك لن تفكر اين اتجاه الشمال من الشرق لانه لا معنى للاتجاهات في الظلام، ولن تفكر في اطوال الغرفة وابعادها وانت وسط هذا الكم الهائل من العوائق وقطع الاثاث، ولن تفكر في الوقت الذي ستستغرقه حتى تصل الى المخرج، كل هذه الاشياء ستتركها وسيتغير نظام تفكيرك، وعندما تخطو الخطوات الاولى سيرتطم رأسك بلوح خشبي فتقوم باختيار اتجاه جديد، وبعد خطوات ستصطدم بطاولة زجاجية تدلك على وجوب التغيير للاتجاه حالا، وهكذا تستمر التحويلات حتى تجد نفسك امام المخرج الذي قررت ان تصل له وعملت جاهدا لذلك دون تردد او تباطأ او تخذيل لقدراتك، واستعنت بالله فأعانك الله، فسهل لك الوقائع والاقدار خيرها وشرها مضحكها ومبكيها، حتى وصلت رغم المشقة والوقت والجهد، ولكن تعال هنا وقل لي!! من اخبرك بانعدام البديل الصالح، ومن اخبرك بقلة الخيارات، اما حان لك ان تنفطم مما تعودت عليه لتتبنى الافضل والاجمل والابقى، وبالمناسبة قل لي هل انت راض عن رفقتك واصحابك وتستفيد منهم، هل فكرت في هذا من قبل، اقول ربما حان الوقت لتفكر!! وعلى دروب الخير نلتقي فنرتقي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مبدأ الــ" ين " والــ " يانغ": طاقة الذكر والأنثى في الإنسان والأكوان

نماذج من فنون الكتابة الصحفية

هذا ما سوف يتذكّرهُ الناسُ عنك… فانتبه!