العلاج بالحُب.. حقيقة لا خيال

 نتيجة بحث الصور عن العلاج بالحب
 بقلم أ.عبدالعزيز الخضراء

التوازن النفسي والتصالح مع الذات يعكسان موجات من الحب الصادق الذي يدفعه التفكير الإيجابي، ويمنحه القلب السليم وقوة الدفع التي تجعله يستقر لدى الآخرين برداً وسلاماً وشفاء وراحة للنفس، ويترجم نظرة مليئة بالجمال والتفاؤل تجاه الحياة وتجاه الغير؛ لأن النفس الواثقة المطمئنة الصادقة لا يصدر عنها إلا المودة وحب الخير للناس والتسامح مع الآخرين.

الحب فيه علاج ناجح لكثير من معضلاتنا النفسية والاجتماعية، وبإمكاننا بنظرة متعمقة للحياة أن نغيِّر مشاعرنا تجاه الآخرين، ونجعلها مشاعر حُبّ وصدق ووفاء وحُبّ للخير لكل الناس، ونتمني السعادة لهم جميعاً، بل وسعى من أجل تحقيقها لهم؛ لأن النفوس الطيبة والقلوب السليمة ترى سعادتها في سعادة الآخرين. ومن هنا يتحول الحب النابع منها إلى دواء يسري في أوصال الغير، ويعالج ما لديهم من عِلل ومشكلات ومعاناة وآلام.

إن الابتسامة والتسامح والهدوء والراحة النفسية والإيثار والكلمة الطيبة ومساعدة الآخرين وإبداء النصح وحُبّ الخير والصدق في التعامل.. كلها من مظاهر الحب الصادق، وكلها تصنع الفرح، وتحقق الراحة النفسية والسلامة لدى الآخرين، وهذا - بلا شك - فيه علاج لهمومهم، ومشاكلهم النفسية والصحية والاجتماعية.
الحُبّ شعور طبيعي للنفس المتوازنة المتصالحة مع ذاتها، وهو ينعكس في راحة البال وراحة الضمير، وصفاء النفس، وحُسْن الظن، والثقة والطمأنينة، وحُسْن العلاقات مع الآخرين، والتسامح والتضحية وخدمة الآخرين.. وهي قيم حث عليها الإسلام، وكرسها، وأوصت بها السُّنة النبوية المطهَّرة، ولها تأثيرها في علاج الاكتئاب والقلق وأمراض أخرى، مثل الحسد والكراهية والأزمات القلبية والجلطات، وغيرها من الأمراض النفسية والعضوية.
هو الحُبّ هذا الشعور العجيب، وهذا الترياق الناجح، وهذا الإحساس الصادق الذي يهذب النفس، ويداوي جراحاتها، ويشكِّل الآخر، ويمنح الحياة لون الفرح وطَعْم البهجة والسعادة ونكهة العيش الكريم، ويمنحها إشارة الاستمرار والطمأنينة والأمان والسلام.

نتيجة بحث الصور عن العلاج بالحب

ويبدو أن علم الطب في دراسته ومعالجته لمختلف الأمراض، قد ولج عالم النفس وانفعالاتها ومدى تأثير ذلك على التسبب بالمرض، أو الحماية منه، وفي دراسة مثلاً لحوالي 50 % من المصابين بمرض قلبي يرتبط بمشكلةٍ عميقةٍ في نهج الحياة أدت إلى تأذي النسيج البنيوي لقلوبهم، وليس التدخين أو ارتفاع الضغط الشرياني أو ارتفاع الكوليسترول.. الخ، ووجد أن هناك عوامل ذات فعل إيجابي يقي من الإصابة بأمراض القلب أو يقلل من احتمال حدوثها، ومنها الفرح، والسعادة، والسلام مع النفس، والحب، والوداعة، وحب الذات واحترامها واستعدادها للمشاركة مع الآخرين.

وعن هذا يتحدث الدكتور "جوزيف كلاس" في كتابه «"القلب بين الطبيب والأديب" فيقولُ:
لقد بينت أبحاث علم المناعة النفسية والعصبية الحديثة أن الدماغ يولّد جزيئات خاصة تسمى «البيبتيدات العصبية NEUROPEPTIDES تتفاعل مع كل خلية من خلايا الجسد، بما في ذلك خلايا الجملة المناعية، وأن أي تأثرٍ أو انفعالٍ يولد هذه الجزئيات التي تستقبلها كل الخلايا، وأن الانفعالات بمعناها الحقيقي تماماً، ليست في العقل فحسب، وإنما هي في الجسد أيضاً.

وقد تبين من دراسة أُجريت على خريجي "جامعة هارفرد" أن أكثر الخريجين تشاؤماً كانوا أكثرهم عرضة للإصابة بالمرض، وأن المزاج يمكنه أن يؤثر في نشاط خلايا الجسم المناعية، وهكذا نجد أننا عندما نشعر بالسعادة نكون وظائفياً "فيزيولوجياً" مختلفين عما كنا نشعر بالتعاسة أو الإحباط، وقد قال "ابن سينا" مثل هذا القول منذ أكثر من ألف عام.
ويضيف "الدكتور كلاس": "ومهما يكنْ من أمر الأبحاث العلمية وما كشفته، وما ستكشفه لنا في المستقبل فإنه من الجلي أن الاتصال بين العقل والجسد، قادرٌ على صنع الفارق بين الصحة والمرض، وأن الصحة توجد في جملة مناعية متوازنة، وأن هذا التوازن نستطيع أن نحييه، أو أن نحافظ عليه باتباع طرقٍ سلوكيةٍ معينةٍ، مثلَ الصلاة، والتأمل، والتخيل، والاسترخاء، وقد ثبت أن الإيمان من جهة، وحب التواصل مع الآخرين من جهة أخرى ينشطان طاقة الشفاء الذاتية".

قصة "المريض طالب عمره ثمانية عشر عاماً، تعرض لحادث دراجةٍ ناريةٍ كان يركبها، فأصيب بكسرٍ في الجمجمة ودخل في سباتٍ عميقٍ، وكان منظره على سريره في المستشفى تحت جهاز التنفس الاصطناعي، وما أصاب وجهه من تشوهات يبعث على التشاؤم، وقد نصح الطبيب المعالج أباه وأمه وأفراد أسرته أن يكلموه ويقبلوه، ويغمروه بحبهم كما لو كان في تمام وعيه، وكان طبيبه في كل زيارةٍ يناديه باسمه ويقول له: "بمقدورك أن تشفي نفسك".
وبعد شهر من الرعاية، عاد للمريض وعيه، ومع المعالجة التأهيلية تماثل للشفاء، وبعد أربع سنوات عاد ليزور طبيبه وبصحبته زوجته وابنته.
ويمضي الدكتور كلاس قائلاً: إن جهاز الإدراك الروحي يسكن بطانة قلبك، فقلبك هو مركز روحك، وهو مركز الحب، فأحبب ذاتك واقبلها، وبح بمشاعرك ولا تكتمها، إن جوهرنا الباطن (روحي) وأن المرض هو حدث عقلي وعاطفي في أوله، ثم لا يلبث أن يتجلى في الجسد، وأن الحب النابع من أعماق القلب، هو القدرة الشافية الأعظم في هذا الكون.

نتيجة بحث الصور عن العلاج بالحب

إن الخطر الأكبر الذي يحدق بالقلوب، يكمن في افتقارها إلى الحب، فالحب ترياقٌ فعال ضد سموم الضغط النفسي.. والحب مضاد للتشنج .. والحب يجدد الشباب، ويمحو التجاعيد، ويشحذ الفكر، ويفرح الروح، ويطير بها في أجواءٍ خياليةٍ حالمةٍ.
والحب ليس مجرد جمال وثورة، وتهيج، وطنين يملأ قلب الإنسان، ويداعب شغافه، وأنا لا أشيرُ إلى طنين الشهوة، لأنه يستملك وقتياً، ويتملك عبوراً، إن الحب ليس عاطفة متأججة دافقة فقط.. إنها رغبةٌ إنسانيةٌ تحاكي العقل مقنعةً، وتتجه نحو الإرادة، فتدعوها لاتخاذ قرار حكيمٍ.
وفي مثل هذه الحالة من التفتح والوعي، نجد الحب الحقيقي قراراً .. لأنك إن أردتَ أن تتخذ قراراً بأنك لا تحب، تزول مشاعر الحب وعواطفه فوراً وتبعاً لهذا القرار...
إن الحب قرارٌ غير مشروط.. والسؤال هل يقرر الإنسان أمراً مدمراً دون رؤية؟..
والقرار بحب إنسان ليس إجراء سلبياً هامداً .. لأنه يشتمل دائماً نشاطاً شخصياً ذاتياً ..

فعندما أقرر أن أحب، لا يكون المعنى مقتصراً على توفير الطاقة، بل يتعدى هذا ويتجاوزه .. معناه في الحقيقة أني قررتُ القبولَ بالآخر، وإحاطة الآخر بأن قرار الحب غير مشروط!
سهلٌ هذا القول، ولكن صعب الوفاء به... صعب أن يعيشه!. فنحن كلنا أو معظمنا لا يقبل بالغير، ولا نحب بغير شروطٍ... الحب مسؤولية، وتضحية، وإنكارٌ للذات... وتجردٌ عن الأنانية.. والحبُ لذاتِ المحبوب شخصاً وروحاً وعقلاً ونقاءً وانسجاماً...

وأنت بحاجة لمن يحبك، وتبحث عن الحب بالفطرة منذ أن يبدأ تكوينك وتخلُّقك جنياً في بطن أمك.. ولكي تحصل على الحب، ولكي تحتفظ بالحب، يجب أن تعطيه ..
فعطاء الحب، هو الندى الذي يرطب أوراق شجرة الحب، ليمنحها الطاقة والحياة والحيوية والاستمرار.
إن قرار الحب مؤسسٌ على ثقة إنسان بنفسه، وائتمانه نفسه والآخر، وقدرته، أو حريته في العطاء والأخذ مع إنسان آخر، لكي ينمو الاثنان كشخصين فريدين محبين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مبدأ الــ" ين " والــ " يانغ": طاقة الذكر والأنثى في الإنسان والأكوان

نماذج من فنون الكتابة الصحفية

هذا ما سوف يتذكّرهُ الناسُ عنك… فانتبه!