أهلاً بكم في عالم " الحب " الجميل..
بقلم
فؤاد بن عبدالله الحمد
الحب مثله مثل الصفات
الفاضلة في النفس ، إن لم تظهر بسهولة، فعلى الإنسان أن يتمرّن عليها.. وكأنك
تمارس رياضة الصباح لأوّل مرّة، فتحس بالتعب والإرهاق والتشنّج، ثمّ يبدأ ذلك
التعب بالزوال شيئًا فشيئًا مع الاستمرار في أداء التمرينات.. كذلك ( الحب ) تحتاج
إلى ممارسته يومًا بعد يوم، وستشعر بثقله في بداية المطاف ، لكنك سرعان ما ستحسّ بعذوبته
في نفسك وعلى حبيبك.
والحب من أسمى العلاقات
الإنسانية الراقية، وأرفع المقامات، وهو سلوة الفؤاد، ودوحة غناء، وظل وارف, والحب
إخلاص وصفاء ونقاء. بالحب تصفوا الحياة وتشرق الشمس ويرقص القلب، وبالحب تُغفر
الزلات وتقال العثرات وترفع الدرجات ، فلولا الحب ما التف الغصن على الغصن، ولا
بكى الغمام على جدب الأرض، ولا ضحكت الأرض لزهر الربيع.. فلله در الحب كم أضاع من
وقت؟ وكم أسر من فؤاد! وكم أذهب من عقل!! فما أجمل الحب وما أكثر مدعيه!. فإن
المحبة ليست قصصا تُروى ، ولا كلمات تقال ، ولا ترانيم تُغنى ، وإنما هي طاعة لله
ولرسوله صلى الله عليه وسلم، تتجلى في السلوك والأفعال والأقوال قال الله تعالى :
{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [آل عمران: 31]
لماذا الحب ؟ يقول الأديب
الكبير والشيخ الجليل ـ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى: " لولا الحب لما حنا
الجبل على الجبل فولد الوادي! ولولا الحب لما بكت السماء على جدب الأرض فنزل
الماء.... ولولا الحب لما كانت الحياة! ". لقد سما الإسلام بهذه العاطفة
الإنسانية أعلى المقامات, فالإسلام يعكس فهماً خاصاً وتميزاً لعاطفة الحب.! حيث
يتكون نظام المحبوبية في الإسلام من مجموعة من الدوائر تتسع وتتداخل... دائرة حب
الإنسان لنفسه؛ {وإنَّ لجسدِكَ عليكَ حقًّا} [صحيح النسائي], وتتسع
الدائرة لتشمل حبه لأسرته؛ {كلُّكم راعٍ ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه} [صحيح
الجامع], وتتسع دائرة الحب لتشمل أفراد المجتمع؛ { إنَّ المُؤمِنَ للمُؤْمِنِ
كالبُنيانِ، يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا} [صحيح البخاري] وفي موضع
آخر؛ {لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه} [صحيح البخاري]
, بل قد يرتقي إلى حب القيم والمبادئ والأخلاق, وقد تسمو به إلى حب الله سبحانه
وتعالى ـ قال الله العظيم: { يحبهم ويحبونه } ]سورة المائدة : 54[.
لقد جاء ذكر كلمة "
الحب " مشتقاتها في القرآن الكريم في أربعٍ وثمانين موضعاً, وكذلك ورد لفظ
" الحب " في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم في كثير من المواقف؛ بل أن
حياته صلى الله عليه وسلم كلها حب , { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ
رَحِيمٌ } [سورة التوبة : آية 128]. فالمتتبع لسيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم ــ
يجد العجب العجاب!, ففي سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم, الأنموذج الفريد الذي
يُحتذى في التعامل مع هذه المشاعر الإنسانية الراقية! فقد كان صلى الله عليه وسلم
في حبه مضرباً للأمثال. حيث بلغ بقلبه الطاهر النقي, الذي ملأه الله بالإيمان
والطهر والعفاف, أعلى مقامات الحب وأصدقها لأهله وأصحابه وجميع أمته, بل تعدى ذلك
ليصل لكل من حوله من حيوان وجماد! {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ} [سورة الأنبياء : آية 107] وفي الحديث {إنَّما أنا رحمةٌ مُهداةٌ}
[صححه الألباني]. فلم يصدر عنه صلى الله عليه وسلم في سيرته لأولاده وأحفاده إلا
الحب والرحمة والمودة والبر التي غمرت قلبه لتكون درساً للآباء والمربين. وأما
سيرته صلى الله عليه وسلم مع أزواجه, فهي النبراس والمثل والأسوة الحسنة للرجال في
كل زمان ومكان, في حسن معاشرة بالمعروف, والقسمة بينهن بالعدل بالمبيت والنفقة
والتكريم, وفي احتمال غضبهن, بل كان صلى الله عليه وسلم يزورهن للوعظ والتعليم
والمؤانسة, وكان يخدم في بيته ويقضي حوائجه بيده. صلى الله عليه وسلم ما ذكره
الذاكرون, و صلى الله عليه وسلم ما صدحت الأطيار , وتعاقب الليل والنهار.
أخيراً... كل إنسان يصوغ
تعريفه للحب - وفقاً للمرحلة العمرية - التي يمر بها, وبالطريقة التي تعلم بها
الحب, وبالكيفية التي عرف بها الحب. لذلك هناك الكثير والكثير من تعريفات الحب ,
وكلها صحيحة. وصاغ الشيخ الأديب الدكتور عائض القرني تعريفاً الحب في كتابه القيم
( ضحايا الحب ), يقول فيه: " لا أعلم كلمة في قاموس العربية تعبر عن
الحب مثل كلمة ( الحب )، فليس هناك أصدق من (الحاء والباء) في دلالتهما على هذا
المقصود العظيم، فالحاء تفتح الفم فيبقي فارغا حتى تأتي الباء فيضم الفم وتطبق
الشفتان، إذا هنا اجتماع بعد فرقة وبعد هجر!. "
وباختصار الحب تجربة
حية, ومن ذاق الحب عرف! ومن عرف اغترف.. أما الذين لا يعرفون الحب فإنهم بعيدون عن
عالم الأحياء وإن ظهرت شخوصهم... يقول ابن القيم ـــ معاني الحب لا تُعلمُ حقيقتها
إلا بذوقها ووجودها, وفرق الذوق والوجود.. وبين التصور والعلم.. فالحدود والرسوم
التي قيلت في المحبة صحيحة غير وافية بحقيقتها... بل هي إشارات وعلامات وتنبيهات.!
وبين الشيخ الأديب ـــ الدكتور عائض القرني ــ في بيان حقيقة الحب, بأنه: الحب ماء
الحياة ،وغذاء الروح ، وقوت النفس. فالناقة تعكف على حوارها بالحب ، ويرضع الطفل
ثدي أمه بالحب وتبني الحمرة عشها بالحب ، بالحب تشرق الوجوه ، وتبتسم الشفاه ،
وتتألق العيون.
أهلاً بكم في عالم
" الحب " الجميل..
تعليقات
إرسال تعليق