الإنسان الكشكول
كان هناك شاب يُدعى أحمد، طموحه بلا حدود وأفكاره لا تنتهي. كان يسجل في كل دورة تدريبية يسمع عنها، يشارك في جميع المشاريع الممكنة، وينتقل من فكرة إلى أخرى دون استكمال أي منها. في يوم ما، بينما كان يراجع مذكراته، وجدها أشبه بدفتر كشكول مليء بملاحظات غير مترابطة، هنا خطة لمشروع ريادي، وهناك فكرة لكتابة كتاب، وبالقرب منها لائحة بأهداف رياضية لم يبدأ فيها بعد. جلس متأملاً وقال: "ماذا أفعل بحياتي؟ لماذا لا أُنجز شيئاً واحداً؟".
" الإنسان الكشكول" هو مصطلح رمزي لمن يعيش حياته دون تركيز، يقفز بين المشاريع والأهداف، ويترك خلفه آثاراً غير مكتملة. هذه الظاهرة أصبحت شائعة في عصر السرعة والمشتتات التقنية. تجد البعض يمارس أعمالاً كثيرة دون أن يحقق التميز في أي منها، مما يسبب شعوراً بالإحباط وضياع الوقت.
أسباب الظاهرة:
الضغط الاجتماعي: الشعور بضرورة إنجاز كل شيء لإرضاء الآخرين.
تعدد الخيارات: كثرة الفرص تجعل التركيز على خيار واحد أمراً صعباً.
الاستعجال في النتائج: رغبة في تحقيق كل شيء بسرعة دون صبر.
المشتتات التقنية: السوشيال ميديا والإشعارات المستمرة.
كيف ينشأ الشخص الكشكول؟
هل تعلم يا عزيزي القارئ الكريم أن تصفح شبكات التواصل الاجتماعي؛ وبالأخص استعراض المقاطع القصيرة (مثل Reels وTikTok)، أصبح ظاهرة سلبية مرضية - قهرية - منتشرة في حياتنا اليومية.؟ وعلى الرغم من المزايا التي تقدمها هذه المنصات من ترفيه وتواصل، فإن الاستخدام المفرط لها ولساعات طويلة وفترات طويلة يومياً وعلى مدار الأسبوع!!، خاصةً بطريقة عشوائية دون هدف واضح، يمكن أن يؤدي إلى سلوكيات سلبية عديدة! - منها :
- إدمان الوقت وغياب الإنتاجية؛ استعراض المقاطع القصيرة لساعات طويلة يستهلك وقتاً كبيراً يمكن استثماره في أنشطة مفيدة. يؤثر ذلك على تحقيق الأهداف الشخصية ويؤدي إلى شعور بالإحباط بسبب ضياع الوقت.
- الضغط النفسي والعاطفي؛ تتسبب هذه العادة في إرهاق نفسي وعاطفي نتيجة تعرض المستخدمين للمحتوى الذي قد يكون غير ملائم أو مقارنات اجتماعية تزيد من الشعور بعدم الرضا عن الذات.
- ضعف العلاقات الاجتماعية الحقيقية؛ قضاء وقت طويل على هذه المقاطع يقلل من التفاعل مع الأسرة والأصدقاء، مما يضعف العلاقات الاجتماعية المباشرة.
- التأثير على الانتباه والتركيز؛ طبيعة المقاطع القصيرة تجعل الدماغ يعتاد على التحفيز الفوري، مما يضعف القدرة على التركيز لفترات طويلة ويؤثر سلباً على الأداء الأكاديمي أو المهني.
- إنتشار ظاهرة ( تعفن الدماغ! )؛ تعفن الدماغ هو مصطلح ظهر حديثاً، واختارته جامعة أوكسفورد ككلمة العام 2024. يشير المصطلح إلى التدهور العقلي أو الفكري الناتج عن الاستهلاك المفرط للمحتوى الرقمي غير المفيد أو التافه. يمكن أن يحدث هذا التعفن نتيجة التصفح المطول لمنصات التواصل الاجتماعي أو مشاهدة الفيديوهات القصيرة بشكل مفرط دون هدف محدد. يؤدي ذلك إلى ضعف القدرة على التفكير النقدي والتركيز، ويسبب شعوراً بالتشتت العقلي والملل، وحتى تدهور المهارات الاجتماعية والذهنية على المدى الطويل.
وبالمناسبة ظاهرة تعفن الدماغ تؤدي إلى أمراض نفسية وسلوكية كثيرة - أبرزها :
- ضعف القدرة على التركيز لفترات طويلة.
- الشعور المستمر بالملل وعدم الرضا.
- تقليل الوقت المخصص للأنشطة الإنتاجية مثل القراءة أو التعلم.
- الاعتماد على التحفيز الفوري من المحتوى الرقمي.
الحلول المقترحة:
تنظيم الوقت: تحديد أوقات محددة لاستخدام المنصات.
وضع أهداف: مشاهدة المحتوى الذي يخدم اهتماماتك أو يضيف قيمة لحياتك؛ حدد أولوياتك واختر هدفاً واحداً، ثم ضع خطة واضحة لإنجازه.
تطوير عادات بديلة: تخصيص وقت للقراءة أو تعلم مهارة جديدة بعيداً عن الشاشة.
وضع حدود زمنية لاستخدام وسائل التواصل.
اختيار محتوى ذو قيمة للتعلم أو الترفيه.
ممارسة الأنشطة الذهنية كالألعاب العقلية والقراءة
ممارسة الأنشطة الرياضية وبالأخص المشي للتخلص من الشحنات النفسية الإكتئابية.
قلل من المشتتات: حدد أوقاتاً محددة لاستخدام الهاتف ووسائل التواصل.
استخدم قاعدة 80/20: ركز على الأنشطة التي تعطيك أكبر نتائج بأقل جهد.
مارس التأمل والتنظيم: ابدأ يومك بتحديد المهام وتقييم يومك في نهايته.
تعلم قول "لا": لا تنخرط في كل مشروع أو فكرة تعرض عليك.
الآن دعونا أستعرض معكم سير بعض الشخصيات البارزة في العالم، والتي تجاوزت هذه الظاهرة، وبرزوا في مجالاتهم؛ علنا نستفيد من تجربتهم إن شاء الله تعالى:
- بنجامين فرانكلين
فرانكلين كان عالماً، مخترعاً، كاتباً، ودبلوماسياً. اشتهر بإنجازاته العلمية مثل اختراع مانع الصواعق، وأيضاً بدوره الكبير في تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية. تمكن من تحقيق إنجازات هائلة في مجالات متعددة لأنه كان شغوفاً بالتعلم والتطوير الذاتي المستمر .
- ألبرت أينشتاين
يعتبر أحد أعظم علماء الفيزياء في التاريخ. اشتهر بنظرية النسبية التي غيرت فهم البشرية للكون. إصراره على التفكير النقدي والإبداع جعله رمزاً للإبداع العلمي .
- ليوناردو دافنشي
كان رساماً ومهندساً وعالم رياضيات، وبرع في مجالات عديدة، منها الرسم (لوحة الموناليزا) والهندسة المعمارية وعلم التشريح. شغفه الدائم بالتعلم والتفكير النقدي ساعده على التميز في عدة مجالات.
ما الدروس المستفادة ؟
- الشغف بالتعلم: جميع هؤلاء الأشخاص كانوا يتميزون بحب الاستطلاع والرغبة في تعلم الجديد.
- التخصص مع التنوع: يمكن الجمع بين التخصص والإبداع في مجالات متعددة عند وجود رؤية واضحة.
- العمل الجاد والإصرار: تحقيق التميز يتطلب تفانياً وتركيزاً على الأهداف.
- الاستفادة من الوقت: هؤلاء الأشخاص أداروا وقتهم بحكمة لتحقيق إنجازات كبيرة
الخلاصة:
التحول من إنسان كشكول إلى إنسان منتج يتطلب التزاماً وصبراً. ركّز على ما تحب وتبرع فيه. حينها، لن تكون حياتك مجرد دفتر كشكول مكتظ بالأفكار العشوائية، بل ستصبح لوحة فنية مليئة بالإنجازات الملهمة.
------------------------------------------------------------------
* فؤاد الحمد - كاتب ومستشار تربوي في منصة المستشار
تعليقات
إرسال تعليق